بقلم. عاطف إسماعيل : دولة العواجيز ورسائل جديدة إلى أبطال محمد محمود

الوضع الحالي يشهد الكثير من التطورات المتلاحقة التي تحمل بين جنباتها علامات استفهام كثيرة. ولكن بالربط بين ما يحدث أمامنا في المشهد السياسي، نكتشف أن هناك ثمة أمور مشتركة وسمات عامة في كل ما تطالعنا به الصحف والمحطات الفضائية والإذاعية ومواقع التواصل الاجتماعي يوميًا وإلى استعراض بعض هذه الأحداث التي احتلت العناوين الرئيسة للأخبار التي تنشرها جميع و
سائل الإعلام الرسمية والخاصة والاجتماعية.
تعيين رئيس المخابرات العسكرية بطل قضية كشوف العذرية على أطهر بنات عرفتهم مصر وزيرًا للدفاع خلفًا للسفاح طنطاوي. هذا هو الخبر الذي سمعناه في أعقاب حادث استشهد فيه 16 من بواسل الحدود المصريين. أما الخبر الذي لم نسمعه وكنا في انتظاره لإعلان انتهاء 60 عامًا من حكم العسكر فهو استبعاد جميع لواءات الجيش والشرطة السابقين من مناصبهم التي تقلدوها مجاملة وعرفان بالجميل الذي أسدوه إلى النظام السابق الحالي حيث وفروا له الحماية في الفترة التي خدموا فيها بالقوات المسلحة. فلا زال لدينا محافظ لواء ووزير لواء رئيس جهاز مدينة أو رئيس حي لواء ولدينا أيضًا لواء رئيس بعثة الحج ولدينا لواءات في كل مكان حتى أنني أتوقع تعيين لواء رئيسًا للهيئة العامة للمراحيض العامة التي من الممكن افتتاحها خصيصًا لمجاملة أحد لواءات المعاش.
جاء في أعقاب ما سبق أنباء عن تكريم عملي وشرفي لقيادات مجلس العار. عن التكريم العملي، عُين العصار في منصب مساعد وزير الدفاع بينما عُين ممش، القائد السابق للقوات البحرية رئيسًا لهيئة قناة السويس. وبالانتقال إلى التكريم الشرفي الذي من المفترض أن يكون لأصحاب البطولات فلدينا قلادات النيل التي منحها الرئيس مرسي صاغرًا للسفاح طنطاوي والجزار سامي عنان علاوةً على تسمية أحد المحاور على الطرق الرئيسة باسم المشير طنطاوي.
كما نُشرت أنباء عكست حالة من الذعر انتابت الرئاسة عندما هرع المتحدث الرسمي ياسر علي إلى نفي عدم دعوة طنطاوي وعنان إلى احتفالات أكتوبر مؤكدًا أن الدعوة وُجهت إليهما، ولكنهما لم يشرفا الاحتفال في الاستاد في خطبة مرسي الحافلة بالكذب المرقم. بعد ذلك، نفت الرئاسة أيضًا وهي في حالة من الرعب أن هناك حديث في أروقة الحكم عن تقديم طنطاوي وعنان للمحاكمة.
كما قام وزير الدفاع والقائد العام الجديد للقوات المسلحة بتبادل أسلحة تذكارية بعشرات الملايين مع سلفه طنطاوي إعلانًا لوفاء القوات المسلحة للسفاحين من أبناءها وقاداتها. ولوحظ أيضًا ترتيب دخول الوزراء في احتفالات أكتوبر المأخونة حيث دخل الفريق السيسي بعد هشام قنديل، رئيس وزارتنا الموجود على خشبة المسرح في غزة الجريحة الآن لأداء دور في مسرحية “مرسي – غزة لا معاهم ولا عليهم”، ثم أحمد جمال الدين وزيرالداخلية للتأكيد على العودة بقوة إلى الدولة الأمنية والقبضة الحديدية للداخلية.
رأينا أيضًا مظاهر تأمين مبالغ فيها للرئيس تقوم بها حراسات الجيش، وهي الإجراءات التي شهدت للمرة الأولى في تاريخ رؤساء مصر تواجد آلاف من الجنود من ذوي القدرات الخاصة في موكب الرئاسة. يُضاف إلى ذلك المبالغة في تأمين محافظي ومسئولي الإخوان بالحكومة والذي نتج عنه حادث كلب الجيش الضال الذي غرس أنيابه في لحم المتظاهرين من أبناء كفر الشيخ المنتمين إلى التيار الشعبي لمجرد أنهم نادوا بسقوط التأسيسية التي تمثل درع الإخوان الواقي ضد خروج من دائرة الحكم.
الأخطر من كل ما سبق هو تلك الظاهرة التي أطلق عليها المصريون المتحدث العسكري المدعو أحمد على الذي يخرج بين الحين والآخر لطمأنة الشعب رغم عدم وجود ما يقلق. وبرغم ما يتضح من مسماه الوظيفي (متحدث عسكري) يناقش أحمد علي بعض الأمور التي لا صلة لها بالشئون العسكرية كإطلاق اسم طنطاوي على أحد محاور السير الرئيسة مبررًا ذلك بأنه لدوره العظيم في الثورة. يثير تعليق سيادة المتحدث كثيرًا الكثير من علامات التعجب في دولة واجهت قيادات قواتها المسلحة الذين خانوا الأمانة وحاولوا الاستيلاء على الحكم بكل ما أوتو من قوة على مدار عام ونصف قطفوا خلالها زهور كانت تتفتح من أجل مصر.
يسير بالتوازي مع تصريحات أحمد علي العسكرية تصريحات متتالية بلا انقطاع أغلبها تنفي أخبار مجهولة المصدر كانت على الأرجح بالونات اختبار يطلقها الإخوان لقياس درجة حرارة الشعب المصري ومدى ما وصلت إليه صحة الثورة من تدهور ومدى اقترابها من الموت المحقق. ومن أظرف التعليقات على الناطق الرسمي باسم الرئاسة ما أشار إليه صديق عزيز من أن الاسم الثلاثي للدكتور ياسر علي هو “ياسر علي ينفي”.
وبوضع تصريحات علي العسكري وعلي الرئاسي جنبًا إلى جنب يمكننا التوصل إلى أن لمصر رئيسين أحدهما عسكري والآخر مدني ولكل منهما من ينطق باسمه ويخاطب الشعب المصري نيابةً عنه ترسيخًا للعقيدة السائدة منذ 60 عامًا والتي تتضمن أن مصر لا يحكمها إلا العسكر.
ينطوي ما سبق على رسائل آن لنا أن نستقبلها ونتعامل معها كما نرى ووفقًا لما تقبله كرامتنا وواقعنا كأمة بعد ثورة. أما الرسالة الأولى فهي من الإخوان إلى الجميع وتقول “إننا نقبل بحكم مصر تحت أي ظرف ولو كان بشراكة العسكر حتى لو كان لهم النصيب الأكبر في هذه الشراكة فهي تركتهم القديمة بينما نحن شركاء جدد”. بينما تدعم رسالة الإخوان بنيان دولة العسكر بعد التصدعات التي أحدثتها به الثورة وشبابها، يرسل العسكر رسالة أخرى ردًا للجميل وعرفانًا بوفاء الإخوان لتعهداتهم والتزامهم بتفاصيل الصفقة التي لم تعد خافية على أحد، وهي الرسالة التي تقول “نحمي من يستولي على كرسي الرئاسة مهما كان ومهما كان انتماؤه طالما يحمي مصالحنا وأموالنا الطائلة ورموزنا الذي كافحوا من أجل جني هذه المليارات العديدة. ولو كان هذا الجديد لا يتمتع بالشرعية الكاملة صنعنا له شرعية بسلاحنا وعتادنا”
بالاقتراب من ذكرى شهداء محمد محمد التي لا أفضل أن أسميها ذكرى لأنهم لم يدخلوا بعد دائرة النسيان معلقين حقوقهم في رقابنا إلى يوم الدين، لابد لنا من نضع كل ما سبق نصب أعيننا وأن نعي مضمون رسائل جناحي دولة العواجيز (العسكر والإخوان) حتى يتسنى لنا الرد بطريقة من اثنتين. الأولى هو البكاء العويل والهتاف لساعات معدودة يوم الاثنين القادم، 19 نوفمبر 2012، ونعتبرها ذكرى شهداء محمد محمود بينما الثانية، وهي ما يميل إليها قلب كل محب مخلص لهذه البلاد والتي تتضمن كتابة سطر جديد في تاريخ مصر الثورة وتحويل الذكرى إلى زلزال يهز الأرض من تحت أقدام المترهلين في دائرة الحكم مستغلين ما لهذه الأحداث من قوة وأثر جعلنا على مشارف أبواب القصر الجمهوري لتقليد الثورة مفاتح مصر في ستة أيام كادت أن تطيح بمجلس العار العام الماضي.

أضف تعليق